Thursday, January 26, 2012

خصائص قيم الإسلام الخلقية - اليسر والسهولة ورفع الحرج

  اليسر والسهولة ورفع الحرج
إن اليسر ورفع الحرج من أبرز خصائص هذا الدين, قال الله تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم: (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ) [الأعراف:157], وقال تعالى في حكاية دعاء المؤمنين: (رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) [البقرة: 286], وقد استجاب الله تعالى للمؤمنين وقال: قد فعلت (1) وقال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج:78], وقال سبحانه: (مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) [ المائدة:6], وقال: (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ) [البقرة: 185], إلى غير ذلك من الآيات في هذا المعنى, وقال عليه الصلاة والسلام: (إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا)(2)
ورفع الحرج واليسر في الإسلام إنما المقصود منه الإعانة على القيان بأمر الله, وتحقيق العبودية التامة له سبحانه, كذلك تحقيق مقصود الشرع في إقامة المصالح ودرء المفاسد(3)
ومن مظاهر اليسر ورفع الحرج في الإسلام عدم ارتباط الفضل والأجر في الأعمال على المشقة وعدمها, بل على قدر منفعة العمل وتحقق طاعة الله فيه, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" ومما ينبغي أن يعرف أن الله ليس رضاه أو محبته في مجرد عذاب النفس وحملها على المشاق، حتى يكون العمل كلما كان أشق كان أفضل، كما يحسب كثير من الجهال أن الأجر على قدر المشقة، في كل شيء، لا ! ولكن الأجر على قدر منفعة العمل، ومصلحته، وفائدته، وعلى قدر طاعة أمر الله ورسوله. فأي العملين كان أحسن، وصاحبه أطوع، وأتبع، كان أفضل. فإن الأعمال لا تتفاضل بالكثرة، وإنما تتفاضل بما يحصل في القلوب حال العمل" (4) ويقول رحمه الله في العمل المستلزم للمشقة: "فأما كونه مشقاً؛ فليس هو سبب لفضل العمل ورجحانه، ولكن قد يكون العمل الفاضل مشقاً ففضله لمعنى غير مشقته، والصبر عليه مع المشقة يزيد ثوابه وأجره، فيزداد الثواب بالمشقة"  (5)
ويقول الشاطبي (6) رحمه الله: " تضمن التكليف الثابت على العباد من المشقة المعتادة أيضا ليس بمقصود الطلب للشارع من جهة نفس المشقة بل من جهة ما في ذلك من  المصالح العائدة على المكلف" (7) ويترتب على هذا أن المكلف " ليس له أن يقصد المشقة في التكليف نظراً إلى عظم أجرها, وله أن يقصد العمل الذي يعظم أجره لعظم مشقته من حيث هو عمل" (8)
فهو يفرق في علاقة الأجر بالمشقة بين حالين:
الأولى: أن يقصد المكلف المشقة من باب التشديد على النفس ليحصل على الأجر العظيم, فهو يرى أنه بفعله هذا قد خالف قصد الشارع, من حيث أن الشارع لا يقصد بالتكليف نفس المشقة, وكل قصد يخالف قصد الشارع باطل, فالقصد إلى المشقة باطل, فهو إذن من قبيل ما ينهى عنه (9)
الثانية: أن يكون الفعل المأمور به مستلزما للمشقة, وقصد المكلف الفعل نفسه لفضله وعظم أجره بسببها, كما قال الله تعالى في المجاهدين: (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [التوبة:120-121].
ومن هذا الباب المشقة الواقعة في طريق أداء التكليف الشرعي لاختلاف الأوقات والأزمات والأحوال, من أمن إلى خوف, ومن يسر إلى عسر, ومن اعتدال إلى برد أو حر, لكنها لا تتجاوز حدود المعتاد, كالجهاد والصيام في شدة الحر, وكالوضوء في وقت الشتاء ونحو ذلك, فهذه أيضاً يثاب عليها لأنها واقعة في طريق العبادة لا أنها مقصودة لذاتها(10)